سورة الحج - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


قرأ أبو عمرو وابن كثير: {يدفع} وقرأ الباقون: {يدافع} وصيغة المفاعلة هنا مجرّدة عن معناها الأصلي، وهو وقوع الفعل من الجانبين كما تدلّ عليه القراءة الأخرى.
وقد ترد هذه الصيغة ولا يراد بها معناها الأصلي كثيراً مثل: عاقبت اللصّ ونحو ذلك، وقد قدّمنا تحقيقه. وقيل: إن إيراد هذه الصيغة هنا للمبالغة. وقيل: للدلالة على تكرر الواقع. والمعنى: يدافع عن المؤمنين غوائل المشركين. وقيل: يعلي حجتهم. وقيل: يوفقهم. والجملة مستأنفة لبيان هذه المزية الحاصلة للمؤمنين من ربّ العالمين، وأنه المتولي للمدافعة عنهم، وجملة: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} مقرّرة لمضمون الجملة الأولى، فإن المدافعة من الله لهم عن عباده المؤمنين مشعرة أتمّ إشعار بأنهم مبغضون إلى الله غير محبوبين له. قال الزجاج: من ذكر غير اسم الله وتقرّب إلى الأصنام بذبيحته فهو خوّان كفور، وإيراد صيغتي المبالغة للدلالة على أنهم كذلك في الواقع لا لإخراج من خان دون خيانتهم، أو كفر دون كفرهم.
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يقاتلون بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ} قرئ: {أذن} مبنياً للفاعل ومبنياً للمفعول وكذلك {يقاتلون}، قرئ مبنياً للفاعل ومبنياً للمفعول، وعلى كلا القراءتين فالإذن من الله سبحانه لعباده المؤمنين بأنهم إذا صلحوا للقتال، أو قاتلهم المشركون قاتلوهم. قال المفسرون: كان مشركو مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بألسنتهم وأيديهم، فيشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول لهم: «اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر»، فأنزل الله سبحانه هذه الآية بالمدينة، وهي أوّل آية نزلت في القتال. وهذه الآية مقرّرة أيضاً لمضمون قوله: {إِنَّ الله يُدَافِعُ} فإن إباحة القتال لهم هي من جملة دفع الله عنهم، والباء في: {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ} للسببية، أي بسبب أنهم ظلموا بما كان يقع عليهم من المشركين من سب وضرب وطرد. ثم وعدهم سبحانه النصر على المشركين، فقال: {وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} وفيه تأكيد لما مرّ من المدافعة أيضاً.
ثم وصف هؤلاء المؤمنين بقوله: {الذين أُخْرِجُواْ مِن ديارهم بِغَيْرِ حَقّ} ويجوز أن يكون بدلاً من الذين يقاتلون، أو في محل نصب على المدح، أو محل رفع بإضمار مبتدأ، والمراد بالديار: مكة {إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله} قال سيبويه: هو استثناء منقطع، أي لكن لقولهم: ربنا الله أي أخرجوا بغير حق يوجب إخراجهم لكن لقولهم: ربنا الله.
وقال الفراء والزجاج: هو استثناء متصل، والتقدير: الذين أخرجوا من ديارهم بلا حق إلا بأن يقولوا: ربنا الله، فيكون مثل قوله سبحانه: {هل تنقمون منا إلا آمنا بالله} [المائدة: 59] وقول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم *** بهن فلول من قراع الكتائب
{وَلَوْلاَ دفع الله الناس} قرأ نافع: {ولولا دفاع} وقرأ الباقون: {ولولا دفع} والمعنى: لولا ما شرعه الله للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك، وذهبت مواضع العبادة من الأرض، ومعنى {لَّهُدّمَتْ}: لخربت باستيلاء أهل الشرك على أهل الملل. فالصوامع: هي صوامع الرهبان. وقيل: صوامع الصابئين، والبيع: جمع بيعة، وهي كنيسة النصارى، والصلوات: هي كنائس اليهود، واسمها بالعبرانية صلوثا بالمثلثة فعربت، والمساجد هي مساجد المسلمين، وقيل: المعنى: لولا هذا الدفع لهدّمت في زمن موسى الكنائس، وفي زمن عيسى الصوامع والبيع، وفي زمن محمد المساجد. قال ابن عطية: هذا أصوب ما قيل في تأويل الآية. وقيل: المعنى: ولولا دفع الله ظلم الظلمة بعدل الولاة. وقيل: لولا دفع الله العذاب بدعاء الأخيار. وقيل: غير ذلك. والصوامع: جمع صومعة، وهي بناء مرتفع، يقال: صمع الثريدة: إذا رفع رأسها، ورجل أصمع القلب، أي حادّ الفطنة، والأصمع من الرجال: الحديد القول. وقيل: الصغير الأذن. ثم استعمل في المواضع التي يؤذن عليها في الإسلام، وقد ذكر ابن عطية في {صلوات} تسع قراءات، ووجه تقديم مواضع عبادات أهل الملل على موضع عبادة المسلمين كونها أقدم بناء وأسبق وجوداً. والظاهر من الهدم المذكور معناه الحقيقي كما ذكره الزجاج وغيره. وقيل: المراد به المعنى المجازي، وهو تعطلها من العبادة، وقرئ: {لهدّمت} بالتشديد، وانتصاب {كثيراً} في قوله: {يُذْكَرُ فِيهَا اسم الله كَثِيراً} على أنه صفة لمصدر محذوف أي: ذكراً كثيراً، أو وقتاً كثيراً، والجملة صفة للمساجد؛ وقيل: لجميع المذكورات.
{وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ} اللام هي جواب لقسم محذوف، أي والله لينصر الله من ينصره، والمراد بمن ينصر الله: من ينصر دينه وأولياءه. والقويّ: القادر على الشيء، والعزيز: الجليل الشريف قاله الزجاج. وقيل: الممتنع الذي لا يرام ولا يدافع ولا يمانع، والموصول في قوله: {الذين إِنْ مكناهم فِي الأرض} في موضع نصب صفة لمن في قوله: {من ينصره} قاله الزجاج: وقال غيره: هو في موضع جرّ صفة لقوله: {للذين يقاتلون}. وقيل: المراد بهم: المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسان. وقيل: أهل الصلوات الخمس. وقيل: ولاة العدل. وقيل: غير ذلك، وفيه إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على من مكنه الله في الأرض وأقدره على القيام بذلك، وقد تقدّم تفسير الآية، ومعنى {وَلِلَّهِ عاقبة الأمور}: أن مرجعها إلى حكمه وتدبيره دون غيره.
وقد أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: لما أخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكنّ القوم، فنزلت: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يقاتلون بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ} الآية.
قال ابن عباس: وهي أوّل آية نزلت في القتال. قال الترمذي: حسن، وقد رواه غير واحد عن الثوري، وليس فيه ابن عباس. انتهى.
وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: {الذين أُخْرِجُواْ مِن ديارهم} أي من مكة إلى المدينة بغير حق، يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عثمان بن عفان قال: فينا نزلت هذه الآية: {الذين أُخْرِجُواْ مِن ديارهم بِغَيْرِ حَقّ} والآية بعدها، أخرجنا من ديارنا بغير حق، ثم مكنّاهم في الأرض أقمنا الصلاة وآتينا الزكاة وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر فهي لي ولأصحابي.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب قال: إنما أنزلت هذه الآية في أصحاب محمد: {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس} الآية قال: لولا دفع الله بأصحاب محمد عن التابعين لهدّمت صوامع.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لَّهُدّمَتْ صوامع} الآية قال: الصوامع التي تكون فيها الرهبان، والبيع: مساجد اليهود وصلوات: كنائس النصارى، والمساجد: مساجد المسلمين.
وأخرجا عنه قال: البيع: بيع النصارى، وصلوات: كنائس اليهود.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله: {الذين إِنْ مكناهم فِي الأرض} قال: أرض المدينة {الذين إِنْ} قال: المكتوبة {وَإِذْ أَخَذْنَا} قال: المفروضة {وَأَمَرُواْ بالمعروف} قال: بلا إله إلا الله {وَنَهَوْاْ عَنِ المنكر} قال: عن الشرك بالله {وَلِلَّهِ عاقبة الأمور} قال: وعند الله ثواب ما صنعوا.


قوله: {وَإِن يُكَذّبُوكَ} إلخ هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزية له متضمنة للوعد له بإهلاك المكذبين له كما أهلك سبحانه المكذبين لمن كان قبله. وفيه إرشاد له صلى الله عليه وسلم إلى الصبر على قومه والاقتداء بمن قبله من الأنبياء في ذلك، وقد تقدّم ذكر هذه الأمم وما كان منهم ومن أنبيائهم وكيف كانت عاقبتهم. وإنما غير النظم في قوله: {وَكُذّبَ موسى} فجاء بالفعل مبنياً للمفعول؛ لأن قوم موسى لم يكذبوه وإنما كذّبه غيرهم من القبط {فَأمْلَيْتُ للكافرين} أي: أخرت عنهم العقوبة وأمهلتهم والفاء لترتيب الإمهال على التكذيب {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} أي أخذت كلّ فريق من المكذبين بالعذاب بعد انقضاء مدّة الإمهال {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} هذا الاستفهام للتقرير، أي فانظر كيف كان إنكاري عليهم وتغيير ما كانوا فيه من النعم وإهلاكهم، والنكير اسم من الإنكار. قال الزجاج: أي ثم أخذتهم فأنكرت أبلغ إنكار. قال الجوهري: النكير والإنكار تغيير المنكر.
ثم ذكر سبحانه كيف عذّب أهل القرى المكذبة فقال: {وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أهلكناها} أي أهلكنا أهلها، وقد تقدّم الكلام على هذا التركيب في آل عمران، وقرئ: {أهلكتها}، وجملة: {وَهِيَ ظالمة} حالية، وجملة: {فَهِيَ خَاوِيَةٌ} عطف على {أهلكناها}، لا على {ظالمة} لأنها حالية، والعذاب ليس في حال الظلم، والمراد بنسبة الظلم إليها نسبته إلى أهلها. والخواء: بمعنى السقوط فهي ساقطة {على عُرُوشِهَا} أي على سقوفها، وذلك بسبب تعطل سكانها حتى تهدّمت فسقطت حيطانها فوق سقوفها، وقد تقدّم تفسير هذه الآية في البقرة {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ} معطوف على قرية، والمعنى: وكم من أهل قرية، ومن أهل بئر معطلة، هكذا قال الزجاج.
وقال الفراء: إنه معطوف على عروشها. والمراد بالمعطلة: المتروكة، وقيل: الخالية عن أهلها لهلاكهم. وقيل: الغائرة. وقيل معطلة من الدلاء والأرشية، والقصر المشيد هو: المرفوع البنيان، كذا قال قتادة والضحاك، ويدلّ عليه قول عديّ بن زيد:
شاده مرمرا وجلله كِلْ *** ساً فللطير في ذراه وكور
شاده: أي رفعه.
وقال سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومجاهد: المراد بالمشيد: المجصص، مأخوذ من الشيد، وهو الجص، ومنه قول الراجز:
لا تحسبني وإن كنت أمرأ غمرا *** كحية الماء بين الطين والشيد
وقيل: المشيد: الحصين قاله الكلبيّ. قال الجوهري: المشيد المعمول بالشيد، والشيد: بالكسر: كلّ شيء طليت به الحائط من جصّ أو بلاط، وبالفتح المصدر، تقول: شاده يشيده جصصه، والمشيد بالتشديد: المطوّل. قال الكسائي: المشِيد للواحد من قوله تعالى: {وقصر مشيد} والمُشيِّد للجمع، من قوله تعالى: {فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء: 78] والمعنى المعنيّ: وكم من قصر مشيد معطل مثل البئر المعطلة؟ ومعنى التعطيل في القصر هو: أنه معطل من أهله، أو من آلاته، أو نحو ذلك.
قال القرطبي في تفسيره: ويقال: إن هذه البئر والقصر بحضر موت معروفان، فالقصر مشرف على قلة جبل لا يرتقى إليه بحال، والبئر في سفحه لا تقرّ الريح شيئاً سقط فيها إلا أخرجته، وأصحاب القصر ملوك الحضر، وأصحاب البئر ملوك البدو. حكى الثعلبيّ وغيره: أن البئر كان بعدن من اليمن في بلد يقال لها: حضوراء، نزل بها أربعة آلاف ممن آمن بصالح ونجوا من العذاب ومعهم صالح فمات صالح، فسمي المكان حضر موت؛ لأن صالحاً لما حضره مات فبنوا حضوراء وقعدوا على هذه البئر وأمروا عليهم رجلاً، ثم ذكر قصة طويلة، وقال بعد ذلك: وأما القصر المشيد فقصر بناه شدّاد بن عاد بن إرم، لم يبن في الأرض مثله فيما ذكروا وزعموا، وحاله أيضاً كحال هذه البئر المذكورة في إيحاشه بعد الأنس، وإقفاره بعد العمران، وإن أحداً لا يستطيع أن يدنو منه على أميال، لما يسمع فيه من عزيف الجنّ والأصوات المنكرة بعد النعيم والعيش الرغد وبهاء الملك، وانتظام الأهل كالسلك فبادوا وما عادوا، فذكرهم الله سبحانه في هذه الآية موعظة وعبرة. قال: وقيل: إنهم الذين أهلكهم بختنصر على ما تقدّم في سورة الأنبياء في قوله: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ} [الأنبياء: 11]. فتعطلت بئرهم وخربت قصورهم. انتهى.
ثم أنكر سبحانه على أهل مكة عدم اعتبارهم بهذه الآثار قائلاً: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض} حثاً لهم على السفر ليروا مصارع تلك الأمم فيعتبروا، ويحتمل أن يكونوا قد سافروا ولم يعتبروا، فلهذا أنكر عليهم، كما في قوله: {وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وباليل أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [الصافات: 137، 138]. ومعنى {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}: أنهم بسبب ما شاهدوا من العبر تكون لهم قلوب يعقلون بها ما يجب أن يتعقلوه وأسند التعقل إلى القلوب لأنها محل العقل. كما أن الآذان محل السمع. وقيل: إن العقل محله الدماغ ولا مانع من ذلك، فإن القلب هو الذي يبعث على إدراك العقل وإن كان محله خارجاً عنه.
وقد اختلف علماء المعقول في محل العقل وماهيته اختلافاً كثيراً لا حاجة إلى التطويل بذكره {أو آذان يسمعون بها} أي ما يجب أن يسمعوه مما تلاه عليهم أنبياؤهم من كلام الله، وما نقله أهل الأخبار إليهم من أخبار الأمم المهلكة {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار} قال الفراء: الهاء عماد يجوز أن يقال: فإنه، وهي قراءة عبد الله بن مسعود، والمعنى واحد، التذكير على الخبر، والتأنيث على الأبصار أو القصة، أي فإن الأبصار لا تعمى، أو فإن القصة {لا تعمي الأبصار} أي أبصار العيون {ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور} أي ليس الخلل في مشاعرهم، وإنما هو في عقولهم أي لا تدرك عقولهم مواطن الحق ومواضع الاعتبار.
قال الفراء والزجاج: إن قوله: {التي في الصدور} من التوكيد الذي تزيده العرب في الكلام كقوله: {عشرة كاملة} [البقرة: 196]، {يقولون بأفواههم} [المائدة: 41]، {يطير بجناحيه} [الأنعام: 38].
ثم حكى سبحانه عن هؤلاء ما كانوا عليه من التكذيب والاستهزاء فقال: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب} لأنهم كانوا منكرين لمجيئه أشدّ إنكار، فاستعجالهم له، هو على طريقة الاستهزاء والسخرية، وكأنهم كانوا يقولون ذلك عند سماعهم لما تقوله الأنبياء عن الله سبحانه من الوعد منه عزّ وجلّ بوقوعه عليهم وحلوله بهم، ولهذا قال: {وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ} قال الفراء: في هذه الآية وعيد لهم بالعذاب في الدنيا والآخرة. وذكر الزجاج وجهاً آخر فقال: أعلم أن الله لا يفوته شيء، وإن يوماً عنده وألف سنة في قدرته واحد، ولا فرق بين وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره في القدرة، إلا أن الله تفضل بالإمهال انتهى. ومحل جملة: {ولن يخلف الله وعده} النصب على الحال، أي والحال أنه لا يخلف وعده أبداً، وقد سبق الوعد فلا بدّ من مجيئه حتماً، أو هي اعتراضية مبينة لما قبلها، وعلى الأوّل تكون جملة: {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} مستأنفة، وعلى الثاني تكون معطوفة على الجملة التي قبلها مسوقة لبيان حالهم في الاستعجال، وخطابهم في ذلك ببيان كمال حلمه، لكون المدة القصيرة عنده كالمدة الطويلة عندهم كما في قوله: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج: 6، 7]. قال الفرّاء: هذا وعيد لهم بامتداد عذابهم في الآخرة أي: يوم من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة. وقيل: المعنى: وإن يوماً من الخوف والشدّة في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا فيها خوف وشدة، وكذلك يوم النعيم قياساً. قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: {مما يعدون} بالتحتية، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب، واختارها أبو حاتم.
{وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظالمة ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِليَّ المصير}: هذا إعلام منه سبحانه أنه أخذ قوماً بعد الإملاء والتأخير. قيل: وتكرير هذا مع ذكره قبله للتأكيد، وليس بتكرار في الحقيقة؛ لأن الأوّل سيق لبيان الإهلاك مناسباً لقوله: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} ولهذا عطف بالفاء بدلاً عن ذلك؛ والثاني: سيق لبيان الإملاء مناسباً لقوله: {وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} فكأنه قيل: وكم من أهل قرية كانوا مثلكم ظالمين قد أمهلتهم حيناً، ثم أخذتهم بالعذاب، ومرجع الكل إلى حكمي. فجملة: {وإليّ المصير} تذييل لتقرير ما قبلها. ثم أمره الله سبحانه أن يخبر الناس بأنه نذير لهم بين يدي الساعة مبين لهم ما نزل إليهم، فمن آمن وعمل صالحاً فاز بالمغفرة والرزق الكريم وهو الجنة، ومن كان على خلاف ذلك فهو في النار، وهم {الذين سعوا في آيات الله معاجزين} يقال: عاجزه: سابقه، لأن كل واحد منهما في طلب إعجاز الآخر، فإذا سبقه قيل: أعجزه وعجزه، قاله الأخفش.
وقيل: معنى {معاجزين} ظانين ومقدّرين أن يعجزوا الله سبحانه ويفوتوه فلا يعذبهم، قاله الزجاج؛ وقيل: معاندين، قاله الفرّاء.
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا} قال: خربة ليس فيها أحد {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ}: عطلها أهلها وتركوها {وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} قال: شيدوه وحصنوه فهلكوا وتركوه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ} قال: التي تركت لا أهل لها.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه {وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} قال: هو المجصص.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن عطاء نحوه أيضاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} قال: من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة، قال في الآية: هو يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة، فقد مضى منها ستة آلاف.
وأخرج ابن عدّي والديلمي عن أنس مرفوعاً نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {معاجزين} قال: مراغمين.
وأخرج ابن جرير عنه أنه قال: مشاقين.


قوله: {مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيّ} قيل: الرسول: الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل إليه عياناً ومحاورته شفاهاً، والنبيّ: الذي تكون نبوته إلهاماً أو مناماً. وقيل: الرسول من بعث بشرع وأمر بتبليغه، والنبيّ: من أمر أن يدعو إلى شريعة من قبله، ولم ينزل عليه كتاب، ولا بدّ لهما جميعاً من المعجزة الظاهرة {إِلاَّ إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان فِي أُمْنِيَّتِهِ} معنى تمنى: تشهى وهيأ في نفسه ما يهواه. قال الواحدي: وقال المفسرون: معنى تمنى: تلا. قال جماعة المفسرين في سبب نزول هذه الآية: أنه صلى الله عليه وسلم لما شقّ عليه إعراض قومه عنه تمنّى في نفسه أن لا ينزل عليه شيء ينفرهم عنه لحرصه على إيمانهم، فكان ذات يوم جالساً في نادٍ من أنديتهم وقد نزل عليه سورة {والنجم إِذَا هوى} [النجم: 1]. فأخذ يقرؤها عليهم حتى بلغ قوله: {أَفَرَءيْتُمُ اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى} [النجم: 19، 20]. وكان ذلك التمني في نفسه، فجرى على لسانه مما ألقاه الشيطان عليه: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتها لترتجى، فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته حتى ختم السورة، فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي من المسلمين والمشركين، فتفرّقت قريش مسرورين بذلك وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، فأتاه جبريل فقال: ما صنعت؟ تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاف خوفاً شديداً، فأنزل الله هذه الآية، هكذا قالوا.
ولم يصح شيء من هذا، ولا ثبت بوجه من الوجوه، ومع عدم صحته بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله سبحانه، قال الله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل * لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين} [الحاقة: 44، 46]. وقوله: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى} [النجم: 3]. وقوله: {وَلَوْلاَ أَن ثبتناك لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ} [الإسراء: 74]. فنفى المقاربة للركون فضلاً عن الركون. قال البزار: هذا حديث لا نعلمه يروى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل.
وقال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ثم أخذ يتكلم أن رواة هذه القصة مطعون فيهم.
وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: إن هذه القصة من وضع الزنادقة. قال القاضي عياض في الشفاء: إن الأمة أجمعت فيما طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه، لا قصداً ولا عمداً ولا سهواً ولا غلطاً. قال ابن كثير: قد ذكر كثير من المفسرين ها هنا قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرين إلى أرض الحبشة ظناً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح.
وإذا تقرّر لك بطلان ذلك عرفت أن معنى {تمنى}: قرأ وتلا، كما قدّمنا من حكاية الواحدي لذلك عن المفسرين. وكذا قال البغوي: إن أكثر المفسرين قالوا معنى {تمنى}: تلا وقرأ كتاب الله، ومعنى {أَلْقَى الشيطان فِي أُمْنِيَّتِهِ} أي في تلاوته وقراءته. قال ابن جرير: هذا القول أشبه بتأويل الكلام، ويؤيد هذا ما تقدّم في تفسير قوله: {لاَ يَعْلَمُونَ الكتاب إِلاَّ أَمَانِىَّ} [البقرة: 78]. وقيل: معنى {تمنى}: حدّث، ومعنى {أَلْقَى الشيطان فِي أُمْنِيَّتِهِ} في حديثه، روي هذا عن ابن عباس، وقيل: معنى {تمنى}: قال. فحاصل معنى الآية: أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك من دون أن يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا جرى على لسانه، فتكون هذه الآية تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي لا يهولنك ذلك ولا يحزنك، فقد أصاب مثل هذا من قبلك من المرسلين والأنبياء، وعلى تقدير أن معنى {تمنى}: حدّث نفسه كما حكاه الفرّاء والكسائي فإنهما قالا: تمنى إذا حدّث نفسه، فالمعنى: أنه إذا حدّث نفسه بشيء تكلم به الشيطان وألقاه في مسامع الناس من دون أن يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا جرى على لسانه. قال ابن عطية: لا خلاف أن إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة وقعت بها الفتنة.
وقد قيل في تأويل الآية: إن المراد بالغرانيق: الملائكة، ويردّ بقوله: {فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشيطان} أي يبطله، وشفاعة الملائكة غير باطلة؛ وقيل: إن ذلك جرى على لسانه صلى الله عليه وسلم سهواً ونسياناً وهما مجوّزان على الأنبياء، ويرد بأن السهو والنسيان فيما طريقه البلاغ غير جائز كما هو مقرّر في مواطنه، ثم لما سلاه الله سبحانه بهذه التسلية وأنها قد وقعت لمن قبله من الرسل والأنبياء بيّن سبحانه أنه يبطل ذلك ولا يثبته ولا يستمر تغرير الشيطان به فقال: {فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِى الشيطان} أي: يبطله ويجعله ذاهباً غير ثابت {ثُمَّ يُحْكِمُ الله ءاياته} أي يثبتها {والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي: كثير العلم والحكمة في كل أقواله وأفعاله.
وجملة {لّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشيطان فِتْنَةً} للتعليل، أي ذلك الإلقاء الذي يلقيه الشيطان فتنة، أي ضلالة {لّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أي شكّ ونفاق {والقاسية قُلُوبُهُمْ}: هم المشركون، فإن قلوبهم لا تلين للحق أبداً ولا ترجع إلى الصواب بحال، ثم سجل سبحانه على هاتين الطائفتين: وهما: من في قلبه مرض، ومن في قلبه قسوة بأنهم ظالمون فقال: {وَإِنَّ الظالمين لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ} أي عداوة شديدة، ووصف الشقاق بالبعد مبالغة، والموصوف به في الحقيقة من قام به.
ولما بين سبحانه أن ذلك الإلقاء كان فتنة في حقّ أهل النفاق والشكّ والشرك بيّن أنه في حقّ المؤمنين العالمين بالله العارفين به سبب لحصول العلم لهم بأن القرآن حقّ وصدق فقال: {وَلِيَعْلَمَ الذين أُوتُواْ العلم أَنَّهُ الحق مِن رَّبّكَ} أي: الحقّ النازل من عنده. وقيل: إن الضمير في {أنه} راجع إلى تمكين الشيطان من الإلقاء، لأنه مما جرت به عادته مع أنبيائه، ولكنه يردّ هذا قوله: {فَيُؤْمِنُواْ بِهِ} فإن المراد الإيمان بالقرآن، أي يثبتوا على الإيمان به {فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} أي تخشع وتسكن وتنقاد، فإن الإيمان به وإخبات القلوب له لا يمكن أن يكونا تمكين من الشيطان بل للقرآن {وإن الله لهاد الذين آمنوا} في أمور دينهم {إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} أي طريق صحيح لاعوج به. وقرأ أبو حيوة: {وإن الله لهاد الذين آمنوا} بالتنوين.
{وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مّنْهُ} أي في شكّ من القرآن. وقيل: في الدين الذي يدل عليه ذكر الصراط المستقيم. وقيل: في إلقاء الشيطان، فيقولون: ما باله ذكر الأصنام بخير ثم رجع عن ذلك؟ وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: {في مرية} بضم الميم {حتى تَأْتِيَهُمُ الساعة} أي القيامة {بَغْتَةً} أي فجأة {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} وهو يوم القيامة؛ لأنه لا يوم بعده، فكان بهذا الاعتبار عقيماً، والعقيم في اللغة من لا يكون له ولد، ولما كانت الأيام تتوالى جعل ذلك كهيئة الولادة، ولما لم يكن بعد ذلك اليوم يوم، وصف بالعقم. وقيل: يوم حرب يقتلون فيه كيوم بدر. وقيل: إن اليوم وصف بالعقم، لأنه لا رأفة فيه ولا رحمة، فكأنه عقيم من الخير، ومنه قوله تعالى: {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الريح العقيم} [الذاريات: 41] أي التي لا خير فيها ولا تأتي بمطر.
{الملك يَوْمَئِذٍ للَّهِ} أي السلطان القاهر والاستيلاء التامّ: يوم القيامة لله سبحانه وحده لا منازع له فيه ولا مدافع له عنه، وجملة: {يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} مستأنفة جواباً عن سؤال مقدّر، ثم فسر هذا الحكم بقوله سبحانه: {فالذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِي جنات النعيم} أي كائنون فيها مستقرّون في أرضها منغمسون في نعيمها {والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بآياتنا} أي جمعوا بين الكفر بالله والتكذيب بآياته {فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} أي عذاب متصف بأنه مهين للمعذبين بالغ منهم المبلغ العظيم.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف، عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس يقرأ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيّ وَلاَ مُّحْدَثٍ}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف مثله، وزاد: فنسخت محدّث، قال: والمحدّثون: صاحب ياس ولقمان، ومؤمن آل فرعون، وصاحب موسى.
وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه، والضياء في المختارة. قال السيوطي: بسند رجاله ثقات، من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: {أَفَرَءيْتُمُ اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى} تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى. ففرح المشركون بذلك وقالوا: قد ذكر آلهتنا، فجاءه جبريل فقال: اقرأ عليّ ما جئت به، فقرأ: {أَفَرَءيْتُمُ اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى فقال: ما أتيتك بهذا، هذا من الشيطان، فأنزل الله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىّ إِلاَّ إِذَا تمنى} الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، قال السيوطي: بسند صحيح عن سعيد بن جبير، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة النجم، فذكر نحوه، ولم يذكر ابن عباس. وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي العالية والسديّ عن سعيد مرسلاً. ورواه عبد بن حميد عن السديّ عن أبي صالح مرسلاً. ورواه ابن أبي حاتم عن ابن شهاب مرسلاً.
وأخرج ابن جرير، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام نحوه مرسلاً أيضاً. والحاصل: أن جميع الروايات في هذا الباب إما مرسلة أو منقطعة لا تقوم الحجة بشيء منها.
وقد أسلفنا عن الحفاظ في أوّل هذا البحث ما فيه كفاية، وفي الباب روايات من أحبّ الوقوف على جميعها فلينظرها في الدرّ المنثور للسيوطي، ولا يأتي التطويل بذكرها هنا بفائدة، فقد عرّفناك أنها جميعها لا تقوم بها الحجة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {حتى إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان فِي أُمْنِيَّتِهِ} يقول: إذا حدّث ألقى الشيطان في حديثه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك، قال: يعني بالتمني التلاوة والقراءة، ألقى الشيطان في أمنيته: في تلاوته {فَيَنسَخُ الله} ينسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان على لسان النبيّ.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن مجاهد: {إِذَا تمنى} قال: تكلم {فِي أُمْنِيَّتِهِ} قال: كلامه.
وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة، عن ابن عباس في قوله: {عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} قال: يوم بدر.
وأخرج ابن مردويه عن أبيّ بن كعب نحوه.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير: {عذاب يوم عقيم}، قال: يوم بدر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير وعكرمة مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: يوم القيامة لا ليلة له.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك مثله.

1 | 2 | 3 | 4